فصل: فَصْلٌ: (فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ‏]‏

المتن

وَطَوِيلُ السَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةٌ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ، أَمَّا شُرُوطُهُ فَثَمَانِيَةٌ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ طَوِيلًا ‏(‏وَطَوِيلُ السَّفَرِ‏)‏ بِالْأَمْيَالِ ‏(‏ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةٌ‏)‏ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَهَا وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ، وَأَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ‏.‏ قَالَ الْخَطَّابِيُّ‏:‏ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ‏.‏ وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ غَيْرَ الْإِيَابِ، فَلَوْ قَصَدَ مَكَانًا عَلَى مَرْحَلَةٍ بِنِيَّةِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِيهِ فَلَا قَصْرَ لَهُ ذَهَابًا وَلَا إيَابًا وَإِنْ نَالَتْهُ مَشَقَّةُ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهِيَ تَحْدِيدٌ لَا تَقْرِيبٌ لِثُبُوتِ التَّقْدِيرِ بِالْأَمْيَالِ عَنْ الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْقَصْرَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، فَيُحْتَاطُ فِيهِ بِتَحَقُّقِ تَقْدِيرِ الْمَسَافَةِ وَلَوْ ظَنًّا بِخِلَافِ تَقْدِيرَيْ الْقُلَّتَيْنِ وَمَسَافَةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْأَمْيَالِ ثَابِتٌ عَنْ الصَّحَابَةِ، بِخِلَافِ تَقْدِيرِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِي تَقْدِيرِهِمَا بِالْأَرْطَالِ، وَكَذَا مَسَافَةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا بِالْأَذْرُعِ‏:‏ فَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِيهِمَا التَّقْرِيبُ، وَالْأَرْبَعَةُ بُرُدٍ‏:‏ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَالْفَرْسَخُ‏:‏ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ، وَالْمِيلُ‏:‏ أَرْبَعَةُ آلَافِ خَطْوَةٍ، وَالْخَطْوَةُ ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ‏.‏ وَالْقَدَمَانِ‏:‏ ذِرَاعٌ، وَالذِّرَاعُ‏:‏ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَاتٍ، وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ، وَالشُّعَيْرَةُ‏:‏ سِتُّ شَعَرَاتٍ مِنْ شَعْرِ الْبِرْذَوْنِ‏.‏ وَهَاشِمِيَّةٌ‏:‏ نِسْبَةٌ إلَى بَنِي هَاشِمٍ لِتَقْدِيرِهِمْ لَهَا وَقْتَ خِلَافَتِهِمْ بَعْدَ تَقْدِيرِ بَنِي أُمَيَّةَ لَهَا، لَا إلَى هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَمْيَالَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هُوَ الشَّائِعُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَصَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهَا سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَعَلَى أَنَّهَا أَرْبَعُونَ، وَلَا مُنَافَاةَ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ الْجَمِيعَ، وَبِالثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ، وَبِالثَّالِثِ الْأَمْيَالَ الْأُمَوِيَّةَ الْخَارِجِيَّةَ بِقَوْلِهِ هَاشِمِيَّةٍ، وَهِيَ الْمَنْسُوبَةُ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فَالْمَسَافَةُ عِنْدَهُمْ أَرْبَعُونَ مِيلًا، إذْ كُلُّ خَمْسَةٍ مِنْهَا قَدْرُ سِتَّةٍ هَاشِمِيَّةٍ‏.‏

المتن

قُلْت‏:‏ وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏قُلْت‏)‏ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ أَيْ السَّفَرُ الطَّوِيلُ ‏(‏مَرْحَلَتَانِ‏)‏ وَهُمَا سَيْرُ يَوْمَيْنِ بِلَا لَيْلَةٍ مُعْتَدِلَيْنِ، أَوْ لَيْلَتَيْنِ بِلَا يَوْمٍ مُعْتَدِلَتَيْنِ، أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَذَلِكَ ‏(‏بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ‏)‏ أَيْ الْحَيَوَانَاتِ الْمُثْقَلَةِ بِالْأَحْمَالِ، وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ عَلَى الْعَادَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ النُّزُولِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَالْأَكْلِ وَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِقْدَارُ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ‏.‏

المتن

وَالْبَحْرُ كَالْبَرِّ فَلَوْ قَطَعَ الْأَمْيَالَ فِيهِ فِي سَاعَةٍ قَصَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْبَحْرُ فِي اعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ‏)‏ الْمَذْكُورَةِ ‏(‏كَالْبَرِّ‏)‏ فَيُقْصَرُ فِيهِ ‏(‏فَلَوْ قَطَعَ الْأَمْيَالَ فِيهِ فِي سَاعَةٍ‏)‏ مَثَلًا لِشِدَّةِ جَرْيِ السَّفِينَةِ بِالْهَوَاءِ أَوْ نَحْوِهِ ‏(‏قَصَرَ‏)‏ فِيهَا لِأَنَّهَا مَسَافَةٌ صَالِحَةٌ لِلْقَصْرِ فَلَا يُؤَثِّرُ قَطْعُهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ كَمَا يَقْصُرُ لَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ فِي الْبَرِّ كَمَا لَوْ قَطَعَهَا عَلَى فَرَسٍ جَوَادٍ فِي بَعْضِ يَوْمٍ، وَلَوْ شَكَّ فِي طُولِ سَفَرِهِ اجْتَهَدَ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ حَمْلُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ عَدَمَ الْقَصْرِ‏.‏

المتن

وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَوَّلًا، فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ وَإِنْ طَالَ تَرَدُّدُهُ، وَلَا طَالِبِ غَرِيمٍ وَآبِقٍ يَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ، وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ‏.‏

الشرحُ

وَثَانِي الشُّرُوطِ قَصْدُ مَحَلٍّ مَعْلُومٍ كَمَا قَالَ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ مَوْضِعٍ‏)‏ مَعْلُومٍ ‏(‏مُعَيَّنٍ‏)‏ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ‏(‏أَوَّلًا‏)‏ أَيْ أَوَّلَ سَفَرِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ طَوِيلٌ فَيَقْصُرُ أَوَّلًا ‏(‏فَلَا قَصْرَ لِلْهَائِمِ‏)‏ وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ ‏(‏وَإِنْ طَالَ تَرَدُّدُهُ‏)‏ إذْ شَرْطُ الْقَصْرِ أَنْ يَعْزِمَ عَلَى قَطْعِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا رَاكِبَ التَّعَاسِيفِ، فَقَدْ قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيُّ‏:‏ هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ شَيْءٍ وَاحِدٍ‏.‏ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْهَائِمُ الْخَارِجُ عَلَى وَجْهِهِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقًا مَسْلُوكًا، وَرَاكِبُ التَّعَاسِيفِ لَا يَسْلُكُ طَرِيقًا، فَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي أَنَّهُمَا لَا يَقْصِدَانِ مَوْضِعًا مَعْلُومًا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ ا هـ‏.‏ وَيَدُلُّ لَهُ جَمْعُ الْغَزَالِيِّ بَيْنَهُمَا ‏(‏وَلَا طَالِبَ غَرِيمٍ وَآبِقٍ وَيَرْجِعُ مَتَى وَجَدَهُ‏)‏ أَيْ مَطْلُوبَهُ مِنْهُمَا ‏(‏وَلَا يَعْلَمُ مَوْضِعَهُ‏)‏ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ لِانْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِطُولِهِ أَوَّلَهُ‏.‏ نَعَمْ إنْ قَصَدَ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ أَوَّلًا كَأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مَطْلُوبَهُ قَبْلَهُمَا قَصَرَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا، وَكَذَا قَصْدُ الْهَائِمِ سَفَرَ مَرْحَلَتَيْنِ كَمَا شَمِلَتْهُ عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ‏.‏ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخِي، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ إنَّمَا يَتَرَخَّصُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ لَا فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ‏.‏ وَلَوْ عَلِمَ الْأَسِيرُ أَنَّ سَفَرَهُ طَوِيلٌ وَنَوَى الْهَرَبَ إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَيَقْصُرُ بَعْدَهُمَا، وَلَا أَثَرَ لِلنِّيَّةِ بِقَطْعِهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَأْتِي فِي الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ إذَا نَوَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهَا مَتَى تَخَلَّصَتْ مِنْ زَوْجِهَا رَجَعَتْ، وَالْعَبْدُ أَنَّهُ مَتَى عَتَقَ رَجَعَ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَأُلْحِقَ بِالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ الْجُنْدِيُّ، وَبِالْفِرَاقِ النُّشُوزُ، وَبِالْعِتْقِ الْإِبَاقُ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

مَتَى فَاتَ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ الْمَرْحَلَتَيْنِ صَلَاةٌ فِيهِمَا قَصَرَ فِي السَّفَرِ لِأَنَّهَا فَائِتَةُ سَفَرٍ طَوِيلٍ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ‏:‏ تُقْصَرُ فَائِتَةُ السَّفَرِ فِي السَّفَرِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخِي‏.‏ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا عَمَّا إذَا نَوَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ الَّذِي لَا يَقْصُرُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ أَوْ السُّورِ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ غَرَضَهُ رَجَعَ، أَوْ أَنْ يُقِيمَ فِي طَرِيقِهِ وَلَوْ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ تَرَخَّصَ إلَى أَنْ يَجِدَ غَرَضَهُ أَوْ يَدْخُلَ الْمَكَانَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ قَدْ انْعَقَدَ فَيَسْتَمِرُّ حُكْمُهُ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا غَيَّرَ النِّيَّةِ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا ذَكَرَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ - مِنْ مَنْعِ التَّرَخُّصِ فِيمَا لَوْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مَعْصِيَةٍ - مَنْعُهُ فِيمَا لَوْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدٍ قَرِيبٍ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ نَقْلَهُ إلَى مَعْصِيَةٍ مُنَافٍ لِلرُّخَصِ بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَدَخَلَ فِيمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ كَانَ مَعْلُومًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ قَصَدَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ مَعَ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَقْصِدِ كَأَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ بِنِيَّةِ أَنْ يَصِلَ إلَى بَطْنِ مَرْوَ ثُمَّ يُشَرِّقَ إلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ أَوْ يُغَرِّبَ إلَى يَنْبُعَ، وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ أَوْ السَّيِّدُ عَبْدَهُ بِأَنَّهُ سَفَرٌ طَوِيلٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَوْضِعًا‏.‏ وَلَوْ نَوَى فِي سَفَرِهِ - ذُو السَّفَرِ الْقَصِيرِ - الزِّيَادَةَ فِي الْمَسَافَةِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَلَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ حَتَّى يَكُونَ مِنْ مَكَانِ نِيَّتِهِ إلَى مَقْصِدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَيُفَارِقُ مَكَانَهُ لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِ بِالنِّيَّةِ، وَيَصِيرُ بِالْمُفَارَقَةِ مُسَافِرًا سَفَرًا جَدِيدًا‏.‏ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ خُرُوجِهِ إلَى سَفَرٍ طَوِيلٍ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ لَمْ يَقْصُرْ لِانْقِطَاعِ كُلِّ سَفْرَةٍ عَنْ الْأُخْرَى‏.‏

المتن

وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ‏:‏ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ كَسُهُولَةٍ أَوْ أَمْنٍ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ‏)‏ بِكَسْرِ الصَّادِ كَمَا ضَبَطَهُ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ ‏(‏طَرِيقَانِ طَوِيلٌ‏)‏ يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ ‏(‏وَقَصِيرٌ‏)‏ لَا يَبْلُغُهَا ‏(‏فَسَلَكَ الطَّوِيلَ لِغَرَضٍ‏)‏ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ إبَاحَةِ الْقَصْرِ ‏(‏كَسُهُولَةٍ‏)‏ لِلطَّرِيقِ ‏(‏أَوْ أَمْنٍ‏)‏ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ، أَوْ لِلسَّلَامَةِ مِنْ الْمَكَّاسِينَ، أَوْ لِرُخَصِ سَفَرٍ وَلَوْ كَانَ الْغَرَضُ تَنَزُّهًا ‏(‏قَصَرَ‏)‏ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ السَّفَرُ الطَّوِيلُ الْمُبَاحُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ سَلَكَهُ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَقْصُرُ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ الْمَقْطُوعِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ طَوَّلَ الطَّرِيقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْقَصِيرَ، وَطَوَّلَهُ بِالذَّهَابِ يَمِينًا وَيَسَارًا حَتَّى قَطَعَهَا فِي مَرْحَلَتَيْنِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَقْصُرُ لِأَنَّهُ طَوِيلٌ مُبَاحٌ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ يَقْصُرُ إذَا كَانَ الْغَرَضُ النُّزْهَةَ مَعَ قَوْلِهِمْ‏:‏ إنَّهُ إذَا سَافَرَ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّنَزُّهَ هُنَا لَيْسَ هُوَ الْحَامِلَ عَلَى السَّفَرِ، بَلْ الْحَامِلُ عَلَيْهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ، لَكِنَّهُ سَلَكَ أَبْعَدَ الطَّرِيقَيْنِ لِلتَّنَزُّهِ فِيهِ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فَإِنَّهُ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْحَامِلَ عَلَيْهِ كَانَ كَالتَّنَزُّهِ هُنَا، أَوْ كَانَ التَّنَزُّهُ هُوَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ كَانَ كَمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فِي تِلْكَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَقَصِيرٌ مَا لَوْ كَانَا طَوِيلَيْنِ، فَسَلَكَ الْأَطْوَلَ وَلَوْ لِغَرَضِ الْقَصْرِ فَقَطْ قَصَرَ فِيهِ جَزْمًا‏.‏

المتن

وَلَوْ تَبِعَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْجُنْدِيُّ مَالِكَ أَمْرِهِ فِي السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُ مَقْصِدَهُ، فَلَا قَصْرَ، فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ قَصَرَ الْجُنْدِيُّ، دُونَهُمَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ تَبِعَ الْعَبْدُ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ الْجُنْدِيُّ مَالِكَ أَمْرِهِ‏)‏ أَيْ السَّيِّدَ أَوْ الزَّوْجَ أَوْ الْأَمِيرَ ‏(‏فِي السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُ‏)‏ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ‏(‏مَقْصِدَهُ فَلَا قَصْرَ‏)‏ لَهُمْ، لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتَحَقَّقْ‏:‏ وَهَذَا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ، فَإِنْ قَطَعُوهَا قَصَرُوا كَمَا مَرَّ فِي الْأَسِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصُرْ الْمَتْبُوعُونَ لِتَيَقُّنِ طُولِ سَفَرِهِمْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ طَالِبَ الْغَرِيمِ وَنَحْوَهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ لَا يَقْصُرُ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ، لِأَنَّ الْمَسَافَةَ هُنَا مَعْلُومَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، إذْ الْمَتْبُوعُ يَعْلَمُهَا بِخِلَافِهَا ثُمَّ، وَإِنْ عَرَفُوا أَنَّ مَقْصِدَهُ مَرْحَلَتَانِ وَقَصَدُوهُ قَصَرُوا ‏(‏فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ‏)‏ وَحْدَهُمْ دُونَ مَتْبُوعِهِمْ وَجَهِلُوا ‏(‏قَصَرَ الْجُنْدِيُّ‏)‏ أَيْ غَيْرُ الْمُثْبَتِ فِي الدِّيوَانِ ‏(‏دُونَهُمَا‏)‏ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَقَهْرِهِ بِخِلَافِهِمَا فَنِيَّتُهُمَا كَالْعَدَمِ‏.‏ أَمَّا الْمُثْبَتُ فِي الدِّيوَانِ فَهُوَ مِثْلُهُمَا، لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ وَتَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَمِثْلُهُ الْجَيْشُ، إذْ لَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ قَهْرِ الْأَمِيرِ كَالْآحَادِ لِعِظَمِ الْفَسَادِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ مَالِكَ أَمْرِهِ لَا يُنَافِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْجُنْدِيِّ غَيْرِ الْمُثْبَتِ؛ لِأَنَّ الْأَمِيرَ الْمَالِكَ لِأَمْرِهِ لَا يُبَالِي بِانْفِرَادِهِ عَنْهُ وَمُخَالَفَتِهِ لَهُ بِخِلَافِ مُخَالَفَةِ الْجَيْشِ‏:‏ أَيْ الْمُثْبَتِ فِي الدِّيوَانِ إذْ يَخْتَلُّ بِهَا نِظَامُهُ‏.‏

المتن

وَمَنْ قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلًا فَسَارَ ثُمَّ نَوَى رُجُوعًا انْقَطَعَ، فَإِنْ سَارَ فَسَفَرٌ جَدِيدٌ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَمَنْ قَصَدَ سَفَرًا طَوِيلًا فَسَارَ ثُمَّ نَوَى‏)‏ وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ مَاكِثٌ ‏(‏رُجُوعًا‏)‏ عَنْ مَقْصِدِهِ إلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِلْإِقَامَةِ ‏(‏انْقَطَعَ‏)‏ سَفَرُهُ، سَوَاءٌ أَرَجَعَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الَّتِي اسْتَفَادَ بِهَا التَّرَخُّصَ قَدْ انْقَطَعَتْ وَانْتَهَى سَفَرُهُ، فَلَا يَقْصُرُ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ كَمَا جَزَمُوا بِهِ، لَكِنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ يَقْصُرُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، وَلَا يَقْضِي مَا قَصَرَهُ أَوْ جَمَعَهُ قَبْلَ هَذِهِ النِّيَّةِ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةُ قَبْلَهَا ‏(‏فَإِنْ سَارَ‏)‏ إلَى مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏فَسَفَرٌ جَدِيدٌ‏)‏ فَإِنْ كَانَ طَوِيلًا قَصَرَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَا تُشْتَرَطُ مُفَارَقَتُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَنِيَّةِ الرُّجُوعِ فِي ذَلِكَ التَّرَدُّدُ فِيهِ، نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ‏.‏ أَمَّا لَوْ رَجَعَ لِحَاجَةٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ تَقَدَّمَ، أَوْ وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ كَمَا مَرَّ‏.‏ ‏.‏

المتن

وَلَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ‏.‏

الشرحُ

وَثَالِثُ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ جَائِزًا فَلَا قَصْرَ فِي غَيْرِهِ كَمَا قَالَ ‏(‏وَلَا يَتَرَخَّصُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَآبِقٍ‏)‏ مِنْ سَيِّدِهِ ‏(‏وَنَاشِزَةٍ‏)‏ مِنْ زَوْجِهَا، وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ التَّرَخُّصِ لِلْإِعَانَةِ وَالْعَاصِي لَا يُعَانُ وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ مَنْ يُتْعِبُ نَفْسَهُ أَوْ يُعَذِّبُ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ بِلَا غَرَضٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ كَمَا حَكَيَاهُ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ وَإِنْ قَالَ فِي الذَّخَائِرِ‏:‏ إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ‏.‏ ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَالْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ التَّوْبَةِ‏.‏

المتن

فَلَوْ أَنْشَأَ مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً فَلَا تَرَخُّصَ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ فَمُنْشِئٌ لِلسَّفَرِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ‏.‏

الشرحُ

وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ بِسَفَرِهِ عَنْ الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ بِأَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا وَيَعْصِي فِي سَفَرِهِ فَيَتَرَخَّصُ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مُبَاحٌ ‏(‏فَلَوْ أَنْشَأَ‏)‏ سَفَرًا طَوِيلًا ‏(‏مُبَاحًا ثُمَّ جَعَلَهُ مَعْصِيَةً‏)‏ كَالسَّفَرِ لِأَخْذِ مَكْسٍ أَوْ لِلزِّنَا بِامْرَأَةٍ ‏(‏فَلَا تَرَخُّصَ‏)‏ لَهُ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ مِنْ حِينِ الْجَعْلِ كَمَا لَوْ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، وَالثَّانِي‏:‏ يَتَرَخَّصُ اكْتِفَاءً بِكَوْنِ السَّفَرِ مُبَاحًا فِي ابْتِدَائِهِ وَلَوْ تَابَ تَرَخَّصَ جَزْمًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللُّقَطَةِ أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ مُبَاحَانِ ‏(‏وَلَوْ أَنْشَأَهُ عَاصِيًا‏)‏ بِهِ ‏(‏ثُمَّ تَابَ فَمُنْشِئٌ‏)‏ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الشِّينِ ‏(‏لِلسَّفَرِ مِنْ حِينِ التَّوْبَةِ‏)‏ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصِدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا‏.‏ نَعَمْ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّصُ مَا لَمْ تَفُتْ الْجُمُعَةُ، وَمِنْ وَقْتِ فَوَاتِهَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا مِنْ التَّوْبَةِ‏.‏ وَلَوْ نَوَى الْكَافِرُ أَوْ الصَّبِيُّ سَفَرَ قَصْرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ فِي الطَّرِيقِ قَصَرَ فِي بَقِيَّتِهِ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَنَّ الصَّبِيَّ يَقْصُرُ دُونَ مَنْ أَسْلَمَ‏.‏ ‏.‏

المتن

وَلَوْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ لَحْظَةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ‏.‏

الشرحُ

وَرَابِعُ الشُّرُوطِ عَدَمُ اقْتِدَائِهِ بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ أَوْ بِمُتِمٍّ كَمَا قَالَ ‏(‏وَلَوْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ‏)‏ مُسَافِرٌ أَوْ مُقِيمٌ أَوْ بِمُصَلٍّ صَلَاةَ جُمُعَةٍ أَوْ صُبْحٍ أَوْ نَافِلَةٍ وَلَوْ ‏(‏لَحْظَةً‏)‏ أَيْ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ كَأَنْ أَدْرَكَهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَوْ أَحْدَثَ هُوَ عَقِبَ اقْتِدَائِهِ بِهِ ‏(‏لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ‏)‏ لِخَبَرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏"‏ سُئِلَ‏:‏ مَا بَالُ الْمُسَافِرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إذَا انْفَرَدَ وَأَرْبَعًا إذَا ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ ‏؟‏ فَقَالَ تِلْكَ السُّنَّةُ ‏"‏‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ تَعْبِيرُهُ بِمُتِمٍّ يُخْرِجُ الظُّهْرَ خَلْفَ مُقِيمٍ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَوْ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كَمَا مَرَّ، وَلَا يُقَالُ لَهُ مُتِمٌّ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ مُتِمٌّ، فَإِنَّهُ قَدْ أَتَى بِصَلَاةٍ تَامَّةٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَعْبِيرُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَلَوْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ وَلَوْ فِي صُبْحٍ وَجُمُعَةٍ فَذَكَرَ مَعَ لَفْظِ الْإِتْمَامِ الصُّبْحَ وَالْجُمُعَةَ اللَّتَيْنِ لَا قَصْرَ فِيهِمَا، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي نَافِلَةٍ كَمُصَلِّي عِيدٍ وَرَاتِبَةٍ فَإِنَّهُ يُتِمُّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَتَعْبِيرُ الْإِسْنَوِيِّ بِالْمُقِيمِ فِي نَافِلَةٍ مِثَالٌ إذْ الْمُقْتَدِي بِمُسَافِرٍ فِي نَافِلَةٍ كَذَلِكَ وَلَهُ قَصْرُ الْمُعَادَةِ إنْ صَلَّاهَا أَوَّلًا مَقْصُورَةً وَصَلَّاهَا ثَانِيًا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي مَقْصُورَةً أَوْ صَلَّاهَا إمَامًا‏.‏ قُلْت ذَلِكَ تَفَقُّهًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمَأْمُومِ نَفْسَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ الْإِتْمَامُ وَلَيْسَ مُرَادًا‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ فَلَوْ قَدَّمَ لَحْظَةً عَلَى مُتِمٍّ لَكَانَ أَوْلَى، وَتَنْعَقِدُ صَلَاةُ الْقَاصِرِ خَلْفَ الْمُتِمِّ وَتَلْغُو نِيَّةُ الْقَصْرِ بِخِلَافِ الْمُقِيمِ إذَا نَوَى الْقَصْرَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ، وَالْمُسَافِرُ مِنْ أَهْلِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ صَارَ مُقِيمًا‏.‏

المتن

وَلَوْ رَعَفَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ وَاسْتَخْلَفَ مُتِمًّا أَتَمَّ الْمُقْتَدُونَ، وَكَذَا لَوْ أَعَادَ الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ رَعَفَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ‏)‏ أَيْ سَالَ مِنْ أَنْفِهِ دَمٌ أَوْ أَحْدَثَ ‏(‏وَاسْتَخْلَفَ مُتِمًّا‏)‏ مِنْ الْمُقْتَدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ ‏(‏أَتَمَّ الْمُقْتَدُونَ‏)‏ بِهِ إنْ نَوَوْا الِاقْتِدَاءَ بِهِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوُوا، وَقُلْنَا بِالرَّاجِحِ إنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ لَا تَجِبُ لِأَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ صَارُوا مُقْتَدِينَ بِهِ حُكْمًا بِدَلِيلِ لُحُوقِهِمْ سَهْوَهُ‏.‏ نَعَمْ لَوْ نَوَوْا فِرَاقَهُ حِينَ أَحَسُّوا بِرُعَافِهِ أَوْ حَدَثِهِ قَبْلَ تَمَامِ الِاسْتِخْلَافِ قَصَرُوا‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

رَعَفَ مُثَلَّثُ الْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَالْأَفْصَحُ فَتْحُ عَيْنِهِ، وَالضَّمُّ ضَعِيفٌ وَالْكَسْرُ أَضْعَفُ مِنْهُ‏.‏ حَكَى فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ كَانَتْ سَبَبَ لُزُومِ سِيبَوَيْهِ الْخَلِيلَ فِي الطَّلَبِ لِلْعَرَبِيَّةِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ يَوْمًا حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَقَالَ لَهُ أَحَدَّثَكَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ رَجُلٍ رَعُفَ فِي الصَّلَاةِ وَضَمَّ الْعَيْنَ ‏؟‏ فَقَالَ لَهُ أَخْطَأَتْ‏:‏ إنَّمَا هُوَ رَعَفَ بِفَتْحِهَا فَانْصَرَفَ إلَى الْخَلِيلِ وَلَزِمَهُ‏.‏ وَسِيبَوَيْهِ لَقَبٌ فَارِسِيٌّ مَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ‏:‏ رَائِحَةُ التُّفَّاحِ، وَذَكَرْت فِي شَرْحِي عَلَى الْقَطْرِ سَبَبَ لَقَبِهِ بِذَلِكَ ‏(‏وَكَذَا لَوْ أَعَادَ الْإِمَامُ وَاقْتَدَى بِهِ‏)‏ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِاقْتِدَائِهِ بِمُتِمٍّ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ، لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ فَرْعٌ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْأَصْلِ أَنْقَصَ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْعِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَاسْتَخْلَفَ مُتِمًّا عَمَّا لَوْ اسْتَخْلَفَ قَاصِرًا أَوْ اسْتَخْلَفُوهُ أَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفُوا أَحَدًا فَإِنَّهُمْ يَقْصُرُونَ، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ الْمُتِمُّونَ مُتِمًّا وَالْقَاصِرُونَ قَاصِرًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ‏.‏

المتن

وَلَوْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ مُقْتَدِيًا فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْ صَلَاةُ إمَامِهِ، أَوْ بِأَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثًا أَتَمَّ،

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ لَزِمَ الْإِتْمَامُ مُقْتَدِيًا فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ أَوْ صَلَاةُ إمَامِهِ أَوْ لِأَنَّ إمَامَهُ مُحْدِثًا‏)‏ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ ‏(‏أَتَمَّ‏)‏ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا وَمَا ذُكِرَ لَا يَدْفَعُهُ، وَلَوْ بَانَ لِلْإِمَامِ حَدَثُ نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِتْمَامُ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَالضَّابِطُ أَيْ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِيهِ ثُمَّ يَعْرِضُ الْفَسَادُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، وَحَيْثُ لَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ لَا يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِلْإِتْمَامِ بِذَلِكَ ا هـ‏.‏ وَلَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ‏.‏ وَلَوْ فَقَدَ الطَّهُورَيْنِ فَشَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ‏.‏ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ‏:‏ قَصَرَ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ صَلَاةٍ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏.‏ وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ شَرْعِيَّةٍ بَلْ تُشْبِهُهَا وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ ثُمَّ أَعَادَهَا‏.‏

المتن

وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا فَبَانَ مُقِيمًا

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا‏)‏ فَنَوَى الْقَصْرَ الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ بِأَنْ يَنْوِيَهُ ‏(‏فَبَانَ مُقِيمًا‏)‏ فَقَطْ أَوْ مُقِيمًا ثُمَّ مُحْدِثًا أَتَمَّ لُزُومًا‏.‏ أَمَّا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا ثُمَّ مُقِيمًا أَوْ بَانَا مَعًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إذْ لَا قُدْوَةَ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي الظَّاهِرِ ظَنَّهُ مُسَافِرًا‏.‏

المتن

أَوْ بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ أَتَمَّ، وَلَوْ عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ قَصَرَ‏.‏

الشرحُ

‏(‏أَوْ‏)‏ اقْتَدَى نَاوِيًا الْقَصْرَ ‏(‏بِمَنْ جَهِلَ سَفَرَهُ‏)‏ أَيْ شَكَّ فِي أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَوْ مُقِيمٌ ‏(‏أَتَمَّ‏)‏ لُزُومًا وَإِنْ بَانَ مُسَافِرًا قَاصِرًا لِظُهُورِ شِعَارِ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَالْأَصْلُ‏:‏ الْإِتْمَامُ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِيمَا إذَا بَانَ كَمَا ذُكِرَ ‏(‏وَلَوْ عَلِمَهُ‏)‏ أَوْ ظَنَّهُ ‏(‏مُسَافِرًا وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ‏)‏ الْقَصْرَ فَجَزَمَ هُوَ بِالنِّيَّةِ ‏(‏قَصَرَ‏)‏ جَوَازًا إنْ بَانَ الْإِمَامُ قَاصِرًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَمَلًا وَأَكْثَرُ أَجْرًا إذَا كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ، وَلَيْسَ لِلنِّيَّةِ شِعَارٌ تُعْرَفُ بِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُقْصِرٍ فِي الِاقْتِدَاءِ عَلَى التَّرَدُّدِ، فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مُتِمٌّ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَشَكَّ فِي نِيَّتِهِ عَمَّا إذَا عَلِمَهُ مُسَافِرًا وَلَمْ يَشُكَّ كَالْإِمَامِ الْحَنَفِيِّ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ لِامْتِنَاعِ الْقَصْرِ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْمَسَافَةِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ مَا إذَا أَخْبَرَ الْإِمَامُ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِأَنَّ عَزْمَهُ الْإِتْمَامُ‏.‏

المتن

وَلَوْ شَكَّ فِيهَا، فَقَالَ‏:‏ إنْ قَصَرَ قَصَرْت وَإِلَّا أَتْمَمْت قَصَرَ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ شَكَّ فِيهَا‏)‏ أَيْ فِي نِيَّةِ إمَامِهِ الْقَصْرَ ‏(‏فَقَالَ‏)‏ مُعَلِّقًا عَلَيْهَا فِي ظَنِّهِ ‏(‏إنْ قَصَرَ قَصَرْت، وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ أَتَمَّ ‏(‏أَتْمَمْت قَصَرَ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ إنْ قَصَرَ إمَامُهُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِالْمُقْتَضَى وَالثَّانِي لَا يَقْصُرُ لِلتَّرَدُّدِ فِي النِّيَّةِ‏.‏ أَمَّا لَوْ بَانَ إمَامُهُ مُتِمًّا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ‏:‏ كُنْت نَوَيْت الْإِتْمَامَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِتْمَامُ، أَوْ نَوَيْت الْقَصْرَ جَازَ لِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ مَا نَوَاهُ الْإِمَامُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ احْتِيَاطًا‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ لَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْإِمَامِ‏.‏ ‏.‏

المتن

وَيُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ نِيَّتُهُ فِي الْإِحْرَامِ

الشرحُ

وَخَامِسُ الشُّرُوطِ نِيَّةُ الْقَصْرِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ نِيَّتُهُ‏)‏ بِخِلَافِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَيَلْزَمُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ ‏(‏فِي الْإِحْرَامِ‏)‏ كَأَصْلِ النِّيَّةِ، وَمِثْلُ نِيَّةِ الْقَصْرِ مَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَثَلًا رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ تَرَخُّصًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ أُؤَدِّي صَلَاةَ السَّفَرِ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي، فَلَوْ لَمْ يَنْوِ مَا ذُكِرَ فِيهِ بِأَنْ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ أَطْلَقَ أَتَمَّ لِأَنَّهُ الْمَنْوِيُّ فِي الْأُولَى وَالْأَصْلُ فِي الثَّانِيَةِ‏.‏ ‏.‏

المتن

وَالتَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا دَوَامًا، وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَوْ يُتِمُّ، أَوْ فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ أَوْ قَامَ إمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَشَكَّ هَلْ هُوَ مُتِمٌّ أَمْ سَاهٍ أَتَمَّ‏.‏

الشرحُ

وَسَادِسُ الشُّرُوطِ التَّحَرُّزُ عَمَّا يُنَافِيهَا كَمَا قَالَ ‏(‏وَالتَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا‏)‏ أَيْ نِيَّةِ الْقَصْرِ ‏(‏دَوَامًا‏)‏ أَيْ فِي دَوَامِ الصَّلَاةِ كَنِيَّةِ الْإِتْمَامِ، فَلَوْ نَوَاهُ بَعْدَ نِيَّةِ الْقَصْرِ أَتَمَّ، وَعُلِمَ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ التَّحَرُّزُ عَنْ مُنَافِيهَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِدَامَةُ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ ‏(‏وَلَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي أَنَّهُ يَقْصُرُ أَمْ يُتِمُّ‏)‏ أَتَمَّ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَرَدَّدَ‏:‏ أَيْ شَكَّ ‏(‏فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ‏)‏ أَمْ لَا أَتَمَّ وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الْحَالِ أَنَّهُ نَوَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى جُزْءًا مِنْ صَلَاتِهِ حَالَ التَّرَدُّدِ عَلَى التَّمَامِ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ وَلَمْ يُصَدِّرْهُمَا بِالْفَاءِ‏.‏ قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ لِضَمِّهِ إلَيْهِمَا فِي الْجَوَابِ مَا لَيْسَ مِنْ الْمُحْتَرَزِ عَنْهُ اخْتِصَارًا فَقَالَ‏:‏ ‏(‏أَوْ قَامَ‏)‏ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى أَحْرَمَ ‏(‏إمَامُهُ لِثَالِثَةٍ فَشَكَّ هَلْ هُوَ مُتِمٌّ أَمْ سَاهٍ أَتَمَّ‏)‏ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي نِيَّةِ نَفْسِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَتَذَكَّرَ عَنْ قُرْبٍ لَمْ يَضُرَّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ كَعَدَمِهَا فَزَمَانُهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لَكِنَّهُ عُفِيَ عَنْ الْقَلِيلِ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَهُنَا الْمَوْجُودُ حَالَ الشَّكِّ مَحْسُوبٌ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ قَدْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ الْإِتْمَامَ؛ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ، فَصَارَ مُؤَدِّيًا لِجُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى التَّمَامِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ تَرْكِيبٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ قِسْمًا مِمَّا لَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ لِتَدَافُعِهِ، فَلَوْ قَالَ‏:‏ أَوْ شَكَّ كَمَا قَدَّرْته فِي أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ لَاسْتَقَامَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ عَطْفًا عَلَى أَحْرَمَ‏.‏

المتن

وَلَوْ قَامَ الْقَاصِرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلَا مُوجِبٍ لِلْإِتْمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ سَهْوًا عَادَ وَسَجَدَ لَهُ وَسَلَّمَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ عَادَ ثُمَّ نَهَضَ مُتِمًّا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ قَامَ الْقَاصِرُ لِثَالِثَةٍ عَمْدًا بِلَا مُوجِبٍ لِلْإِتْمَامِ‏)‏ كَنِيَّةٍ أَوْ نِيَّةِ إقَامَةٍ ‏(‏بَطَلَتْ صَلَاتُهُ‏)‏ كَمَا لَوْ قَامَ الْمُتِمُّ إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ ‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ قِيَامُهُ ‏(‏سَهْوًا‏)‏ ثُمَّ تَذَكَّرَ ‏(‏عَادَ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏وَسَجَدَ لَهُ‏)‏ نَدْبًا كَغَيْرِهِ مِمَّا يُبْطِلُ عَمْدُهُ ‏(‏وَسَلَّمَ‏)‏ وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ‏:‏ هَذَا إنْ بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَا وَهُوَ وَاضِحٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ فَرَضَ الْكَلَامَ فِيمَنْ قَامَ ‏(‏فَإِنْ أَرَادَ‏)‏ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ وَهُوَ قَائِمٌ ‏(‏أَنْ يُتِمَّ عَادَ‏)‏ لِلْقُعُودِ وُجُوبًا ‏(‏ثُمَّ نَهَضَ مُتِمًّا‏)‏ أَيْ نَاوِيًا الْإِتْمَامَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ فِي قِيَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِتْمَامَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَهُوَ قَاصِرٌ، وَالْجَهْلُ كَالسَّهْوِ فِيمَا ذُكِرَ وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى أَتَى بِرَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ نَدْبًا‏.‏

المتن

وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسَافِرًا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، فَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ فِيهَا أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ دَارَ إقَامَتِهِ أَتَمَّ‏.‏

الشرحُ

وَسَابِعُ الشُّرُوطِ دَوَامُ سَفَرِهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ كَمَا قَالَ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ‏)‏ أَيْ الشَّخْصِ النَّاوِي لِلْقَصْرِ ‏(‏مُسَافِرًا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، فَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ‏)‏ الْقَاطِعَةَ لِلتَّرَخُّصِ ‏(‏فِيهَا‏)‏ أَوْ شَكَّ هَلْ نَوَاهَا أَوْ لَا ‏(‏أَوْ بَلَغَتْ سَفِينَتُهُ‏)‏ فِيهَا ‏(‏دَارَ إقَامَتِهِ‏)‏ أَوْ شَكَّ هَلْ بَلَغَهَا أَوْ لَا ‏(‏أَتَمَّ‏)‏ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ فِي الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ كَمَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي لِمَرَضٍ فَزَالَ الْمَرَضُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ وَلِلشَّكِّ فِي الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ‏.‏ ‏.‏

المتن

وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا بَلَغَ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ‏.‏

الشرحُ

وَثَامِنُ الشُّرُوطِ الْعِلْمُ بِجَوَازِ الْقَصْرِ، فَلَوْ قَصَرَ جَاهِلًا بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِتَلَاعُبِهِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا‏.‏ قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ وَكَأَنَّ تَرْكَهُ لِبُعْدِ أَنْ يَقْصُرَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ جَوَازَهُ ‏(‏وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا بَلَغَ‏)‏ سَفَرُهُ ‏(‏ثَلَاثَ مَرَاحِلَ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ‏.‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ إلَّا الْمَلَّاحَ الَّذِي يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ بِأَهْلِهِ وَمَنْ لَا يَزَالُ مُسَافِرًا بِلَا وَطَنٍ فَالْإِتْمَامُ لَهُمَا أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَالِ مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمَا كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَرُوِيَ فِيهِمَا خِلَافُهُ دُونَ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الْإِتْمَامَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْأَكْثَرُ عَمَلًا‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْهَا فَالْإِتْمَامُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ بَلْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الرَّضَاعِ يُكْرَهُ الْقَصْرُ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ ا هـ‏.‏ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى‏.‏ نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ دَائِمُ الْحَدَثِ إذَا كَانَ لَوْ قَصَرَ لَخَلَا زَمَنُ صَلَاتِهِ عَنْ جَرَيَانِ حَدَثِهِ وَلَوْ أَتَمَّ لَجَرَى حَدَثُهُ فِيهَا فَيَكُونُ الْقَصْرُ أَفْضَلَ مُطْلَقًا، وَهَذَا نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا خَلَا عَنْ الْحَدَثِ، وَلَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَخْلُ عَنْهُ، وَكِلَا الْمَسْأَلَتَيْنِ يُشْكِلُ بِمَا قَالُوهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مِنْ قِيَامٍ لَمْ يَخْلُ عَنْ الْحَدَثِ وَلَوْ صَلَّى مِنْ قُعُودٍ خَلَا عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ قُعُودٍ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ صَلَاتَهُ مِنْ قُعُودٍ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ الْقِيَامِ وَلَا كَذَلِكَ مَا ذُكِرَ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّ مَنْ تَرَكَ رُخْصَةً رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ، أَوْ شَكًّا فِي جَوَازِهَا‏:‏ أَيْ لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ إلَيْهَا كُرِهَ لَهُ تَرْكُهَا‏.‏

المتن

وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالصَّوْمُ‏)‏ أَيْ صَوْمُ رَمَضَانَ لِمُسَافِرٍ سَفَرًا طَوِيلًا ‏(‏أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ تَبْرِئَةِ الذِّمَّةِ وَعَدَمِ إخْلَاءِ الْوَقْتِ عَنْ الْعِبَادَةِ؛ وَلِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَةَ‏]‏ وَلَمْ يُرَاعِ مَنْعَ أَهْلِ الظَّاهِرِ الصَّوْمَ، لِأَنَّ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ لَا يُقِيمُونَ لِمَذْهَبِهِمْ وَزْنًا‏:‏ قَالَهُ الْإِمَامُ، هَذَا ‏(‏إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ‏)‏ أَمَّا إذَا تَضَرَّرَ بِهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ أَلَمٍ يَشُقُّ مَعَهُ احْتِمَالُهُ، فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ‏(‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا صَائِمًا فِي السَّفَرِ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ‏:‏ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ‏)‏ ‏.‏ نَعَمْ إنْ خَافَ مِنْ الصَّوْمُ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَلَوْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالصَّوْمِ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ يَخَافُ الضَّعْفَ وَلَوْ صَامَ وَكَانَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ، فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ، وَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَلَا يَضُرُّهُ الصَّوْمُ، فَالْفِطْرُ لَهُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَكَأَنَّهُ فِي ذِي الرُّفْقَةِ لَا الْمُنْفَرِدِ ا هـ‏.‏ وَهَذَا مُرَادُ الْأَذْرَعِيِّ بِلَا شَكٍّ، وَيَأْتِي أَيْضًا هُنَا مَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي جَوَازِ الرُّخْصَةِ أَوْ تَرَكَهَا رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ‏]‏

المتن

يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا‏.‏ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏فَصْلٌ‏)‏ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ‏(‏يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا‏)‏ فِي وَقْتِ الْأُولَى ‏(‏وَتَأْخِيرًا‏)‏ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَالْجُمُعَةُ كَالظُّهْرِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاعْتَمَدَهُ كَجَمْعِهِمَا بِالْمَطَرِ بَلْ أَوْلَى، وَيُمْتَنَعُ تَأْخِيرًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا يَتَأَتَّى تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا ‏(‏وَ‏)‏ بَيْنَ ‏(‏الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ‏)‏ أَيْ تَقْدِيمًا فِي وَقْتِ الْأُولَى، وَتَأْخِيرًا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ ‏(‏فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ‏)‏ الْمُبَاحِ لِلِاتِّبَاعِ‏.‏ أَمَّا جَمْعُ التَّأْخِيرِ فَثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ‏.‏ وَأَمَّا جَمْعُ التَّقْدِيمِ فَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ‏.‏ ‏.‏ نَعَمْ الْمُتَحَيِّرَةُ لَا تَجْمَعُ تَقْدِيمًا كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَوَجْهُ امْتِنَاعِهِ أَنَّ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى شَرْطُهُ تَقَدُّمُ الْأُولَى صَحِيحَةً يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَهُوَ مُنْتَفٍ هَهُنَا بِخِلَافِ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَمِثْلُهَا فِي جَمِيعِ التَّقْدِيمِ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ وَكُلُّ مَنْ لَمْ تَسْقُطْ صَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَلَوْ حَذَفَ بِالتَّيَمُّمِ كَانَ أَوْلَى‏:‏ أَيْ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمُتَيَمِّمِ‏.‏

المتن

وَكَذَا الْقَصِيرُ فِي قَوْلٍ، فَإِنْ كَانَ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى فَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ وَإِلَّا فَعَكْسُهُ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ ‏(‏الْقَصِيرِ فِي قَوْلٍ‏)‏ قَدِيمٍ كَالتَّنَفُّلِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْقَصْرِ، وَالْمَجْمُوعَةِ فِي وَقْتِ الْأُخْرَى أَدَاءً كَالْأُخْرَى؛ لِأَنَّ وَقْتَيْهِمَا صَارَا وَاحِدًا، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الصُّبْحُ مَعَ غَيْرِهَا وَالْعَصْرُ مَعَ الْمَغْرِبِ فَلَا جَمْعَ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ، وَلَا فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي سَفَرِ قَصْرٍ وَلَوْ لِمَكِّيٍّ وَلَا فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ‏:‏ يَجُوزُ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ الْجَمْعِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ، لَكِنْ يُسْتَثْنَى فِي الْحَجِّ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَبِمُزْدَلِفَةَ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ، فَإِنَّ الْجَمْعَ فِيهِمَا أَفْضَلُ قَطْعًا فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلِاتِّبَاعِ، وَسَبَبُهُ السَّفَرُ فِي الْأَظْهَرِ لَا النُّسُكُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَجِّ، وَإِنْ صَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ سَبَبَهُ النُّسُكُ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا الشَّاكُّ وَالرَّاغِبُ عَنْ الرُّخْصَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ إذَا جَمَعَ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ خَلَا عَنْ حَدَثِهِ الدَّائِمِ أَوْ كَشَفَ عَوْرَتَهُ فَالْجَمْعُ أَفْضَلُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَكَذَا مَنْ خَافَ فَوْتَ عَرَفَةَ أَوْ عَدَمَ إدْرَاكِ الْعَدُوِّ لِاسْتِنْقَاذِ أَسِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ‏(‏فَإِنْ كَانَ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى‏)‏ نَازِلًا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَسَائِرٍ يَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ ‏(‏فَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ، وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ سَائِرًا وَقْتَ الْأُولَى بِأَنْ كَانَ نَازِلًا فِيهِ سَائِرًا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ ‏(‏فَعَكْسُهُ‏)‏ لِلِاتِّبَاعِ‏.‏ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ لِلْمُسَافِرِ، وَمَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ الْمَتْنِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ سَائِرًا فِي وَقْتَيْهِمَا أَوْ نَازِلًا فِيهِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتٌ لِلْأُولَى حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْعَكْسِ‏.‏

المتن

وَشُرُوطُ التَّقْدِيمِ ثَلَاثَةٌ‏:‏ الْبُدَاءَةُ بِالْأُولَى، فَلَوْ صَلَّاهُمَا فَبَانَ فَسَادُهَا فَسَدَتْ الثَّانِيَةُ‏.‏ وَنِيَّةُ الْجَمْعِ، وَمَحَلُّهَا أَوَّلُ الْأُولَى، وَتَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا فِي الْأَظْهَرِ‏.‏ الْمُوَالَاةُ بِأَنْ لَا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ، فَإِنْ طَالَ وَلَوْ بِعُذْرٍ وَجَبَ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ‏.‏ وَيُعْرَفُ طُولُهُ بِالْعُرْفِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَشُرُوطُ التَّقْدِيمِ ثَلَاثَةٌ‏)‏ بَلْ أَرْبَعَةٌ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ ‏(‏الْبُدَاءَةُ بِالْأُولَى‏)‏ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا وَالثَّانِيَةَ تَبَعٌ لَهَا، فَلَوْ صَلَّى الْعَصْرَ قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَصِحَّ وَيُعِيدُهَا بَعْدَ الظُّهْرِ إنْ أَرَادَ الْجَمْعَ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ ‏(‏فَلَوْ صَلَّاهُمَا‏)‏ مُبْتَدِئًا بِالْأُولَى‏.‏ ‏(‏فَبَانَ فَسَادُهَا‏)‏ بِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ ‏(‏فَسَدَتْ الثَّانِيَةُ‏)‏ أَيْضًا لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالْأُولَى، وَالْمُرَادُ بِفَسَادِهَا بُطْلَانُ كَوْنِهَا عَصْرًا أَوْ عِشَاءً لَا أَصْلَ الصَّلَاةِ بَلْ تَنْعَقِدُ نَافِلَةً عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْفَرْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ جَاهِلًا بِالْحَالِ ‏(‏وَ‏)‏ ثَانِيهَا ‏(‏نِيَّةُ الْجَمْعِ‏)‏ لِيَتَمَيَّزَ التَّقْدِيمُ الْمَشْرُوعُ عَنْ التَّقْدِيمِ سَهْوًا ‏(‏وَمَحَلُّهَا‏)‏ الْفَاضِلُ ‏(‏أَوَّلُ الْأُولَى‏)‏ كَسَائِرِ الْمَنْوِيَّاتِ فَلَا يَكْفِي تَقْدِيمُهَا بِالِاتِّفَاقِ ‏(‏وَتَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى نِيَّةِ الْقَصْرِ بِجَامِعِ أَنَّهُمَا رُخْصَتَا سَفَرٍ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْجَمْعَ هُوَ ضَمُّ الثَّانِيَةِ إلَى الْأَوَّلِ فَحَيْثُ وُجِدَتْ نِيَّتُهُ وُجِدَ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْقَصْرِ فَإِنَّهَا لَوْ تَأَخَّرَتْ لَتَأَدَّى بَعْضُ الصَّلَاةِ عَلَى التَّمَامِ، وَحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ الْقَصْرُ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَجُوزُ مَعَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ أَوْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِالْأَثْنَاءِ عَدَمَ الصِّحَّةِ وَقَدَّرْت الْفَاضِلَ تَبَعًا لِلشَّارِحِ لِأَجْلِ الْخِلَافِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا نَوَى فِي أَثْنَائِهَا فَإِنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ، وَلَوْ نَوَى الْجَمْعَ أَوَّلَ الْأُولَى ثُمَّ نَوَى تَرْكَهُ ثُمَّ قَصَدَ فِعْلَهُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي نِيَّةِ الْجَمْعِ فِي أَثْنَائِهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الدَّارِمِيِّ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْمَغْرِبِ بِالْبَلَدِ فِي سَفِينَةٍ فَسَارَتْ فَنَوَى الْجَمْعَ، فَإِنْ لَمْ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ مَعَ التَّحَرُّمِ صَحَّ لِوُجُودِ السَّفَرِ وَقْتَهَا وَإِلَّا فَلَا‏.‏ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُدُوثِ الْمَطَرِ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يُجْمَعُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّ السَّفَرَ بِاخْتِيَارِهِ فَنَزَلَ اخْتِيَارُهُ لَهُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَتَهُ بِخِلَافِ الْمَطَرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ، فَالْوَجْهُ امْتِنَاعُ الْجَمْعِ هُنَا، وَالْمُعْتَمَدُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ‏:‏ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْجَمْعِ فِي أَوَّلِ الْأُولَى بِخِلَافِ عُذْرِ الْمَطَرِ، فَإِذَنْ لَا فَرْقَ فِي الْمُسَافِرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ لَا كَمَا قَالَهُ شَيْخِي ‏(‏وَ‏)‏ ثَالِثُهَا ‏(‏الْمُوَالَاةُ بِأَنْ لَا يَطُولَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ‏)‏ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَجْعَلُهُمَا كَصَلَاةٍ فَوَجَبَ الْوَلَاءُ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهَا تَابِعَةٌ وَالتَّابِعُ لَا يُفْصَلُ عَنْ مَتْبُوعِهِ، وَلِهَذَا تُرِكَتْ الرَّوَاتِبُ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ ‏(‏فَإِنْ طَالَ وَلَوْ بِعُذْرٍ‏)‏ كَسَهْوٍ وَإِغْمَاءٍ ‏(‏وَجَبَ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا‏)‏ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْجَمْعِ ‏(‏وَلَا يَضُرُّ فَصْلٌ يَسِيرٌ‏)‏ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ ‏(‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَمَعَ بِنَمِرَةَ أَقَامَ لِلصَّلَاةِ بَيْنَهُمَا‏)‏ ‏(‏وَيُعْرَفُ طُولُهُ‏)‏ وَقِصَرُهُ ‏(‏بِالْعُرْفِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ وَالْقَبْضِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إنَّ الْيَسِيرَ يُقَدَّرُ بِالْإِقَامَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ‏.‏

المتن

وَلِلْمُتَيَمِّمِ الْجَمْعُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ طَلَبٍ خَفِيفٍ

الشرحُ

‏(‏وَلِلْمُتَيَمِّمِ الْجَمْعُ عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ كَالْمُتَوَضِّئِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ‏:‏ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الطَّلَبِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى رَدِّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ طَلَبٍ خَفِيفٍ‏)‏ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْإِقَامَةَ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ شَرْطٌ دُونَهَا، بَلْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لَمْ يَضُرَّ، وَالثَّانِي‏:‏ يَضُرُّ لِطُولِ الْفَصْلِ بِهِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِالْوُضُوءِ قَطْعًا، وَلَوْ صَلَّى بَيْنَهَا رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةٍ رَاتِبَةٍ بَطَلَ الْجَمْعُ، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَغَيْرُ الرَّاتِبَةِ كَالرَّاتِبَةِ‏.‏

المتن

وَلَوْ جَمَعَ ثُمَّ عَلِمَ تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ الْأُولَى بَطَلَتَا وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا، أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَطُلْ تَدَارَكَ، وَإِلَّا فَبَاطِلَةٌ وَلَا جَمَعَ، وَلَوْ جَهِلَ أَعَادَهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا

الشرحُ

‏(‏وَلَوْ جَمَعَ‏)‏ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ ‏(‏ثُمَّ عَلِمَ‏)‏ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا أَوْ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَطَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ سَلَامِ الْأُولَى وَعِلْمِهِ ‏(‏تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ الْأُولَى بَطَلَتَا‏)‏ الْأُولَى لِتَرْكِ الرُّكْنِ، وَتَعَذُّرِ التَّدَارُكِ بِطُولِ الْفَصْلِ، وَالثَّانِيَةُ لِفَقْدِ التَّرْتِيبِ، وَأُعِيدَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهَا ‏(‏وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا‏)‏ إنْ شَاءَ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ‏.‏ أَمَّا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ، فَإِنَّ إحْرَامَهُ بِالثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ، وَيَبْنِي عَلَى الْأُولَى‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ثُمَّ عَلِمَ يُفْهِمُ أَنَّ الشَّكَّ لَا يُؤَثِّرُ وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ لَا أَثَرَ لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلِمَ تَرْكَهُ ‏(‏مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَطُلْ‏)‏ أَيْ الْفَصْلُ ‏(‏تَدَارَكَ‏)‏ وَمَضَتْ الصَّلَاتَانِ عَلَى الصِّحَّةِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ طَالَ ‏(‏فَبَاطِلَةٌ‏)‏ أَيْ الثَّانِيَةُ لِتَرْكِهِ الْمُوَالَاةَ بِتَخَلُّلِ الْبَاطِلَةِ ‏(‏وَلَا جَمَعَ‏)‏ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا فِي وَقْتِهَا ‏(‏وَلَوْ جَهِلَ‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُدْرِكُونَ الْمَتْرُوكَ مِنْ الْأُولَى أَوْ مِنْ الثَّانِيَةِ ‏(‏أَعَادَهُمَا لِوَقْتَيْهِمَا‏)‏ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ الْأُولَى، وَامْتَنَعَ الْجَمْعُ تَقْدِيمًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ الثَّانِيَةِ، فَيَطُولُ الْفَصْلُ بِهَا وَبِالْأُولَى الْمُعَادَةِ بَعْدَهَا، أَمَّا جَمْعُهُمَا تَأْخِيرًا فَجَائِزٌ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ‏.‏ وَلَوْ شَكَّ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي نِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَوَاهُ، فَإِنْ كَانَ عَنْ قُرْبٍ جَازَ لَهُ الْجَمْعُ وَإِلَّا امْتَنَعَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

المتن

وَإِذَا أَخَّرَ الْأُولَى لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ وَ الْمُوَالَاةُ، وَنِيَّةُ الْجَمْعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَيَجِبُ كَوْنُ التَّأْخِيرِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَإِلَّا فَيَعْصِي‏.‏ وَتَكُونُ قَضَاءً‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَإِذَا أَخَّرَ‏)‏ الصَّلَاةَ ‏(‏الْأُولَى‏)‏ إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ ‏(‏لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ‏)‏ بَيْنَهُمَا ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏الْمُوَالَاةُ، وَ‏)‏ لَا ‏(‏نِيَّةُ الْجَمْعِ‏)‏ فِي الْأُولَى ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ‏.‏ أَمَّا عَدَمُ التَّرْتِيبِ فَلِأَنَّ الْوَقْتَ لِلثَّانِيَةِ فَلَا تُجْعَلُ تَابِعَةً‏.‏ وَأَمَّا عَدَمُ الْمُوَالَاةِ فَلِأَنَّ الْأُولَى بِخُرُوجِ وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ قَدْ أَشْبَهَتْ الْفَائِتَةَ بِدَلِيلِ عَدَمِ الْأَذَانِ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَائِتَةٌ، وَيَنْبَنِي عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ عَدَمُ وُجُوبِ نِيَّةِ الْجَمْعِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَجِبُ ذَلِكَ كَمَا فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَوَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ الْجَزْمُ بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْجَمْعِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ‏.‏ قَالَ فِي الدَّقَائِقِ‏:‏ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، بَلْ قَالَ‏:‏ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ‏:‏ الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ سُنَّةٌ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهَا كُلَّهَا وَاجِبَةٌ ‏(‏وَ‏)‏ إنَّمَا ‏(‏يَجِبُ‏)‏ لِلتَّأْخِيرِ أَمْرَانِ فَقَطْ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ ‏(‏كَوْنُ التَّأْخِيرِ‏)‏ إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ ‏(‏بِنِيَّةِ الْجَمْعِ‏)‏ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى بِزَمَنٍ لَوْ ابْتَدَئْت فِيهِ كَانَتْ أَدَاءً، نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ‏.‏ وَفِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَنْهُمْ وَتُشْتَرَطُ هَذِهِ النِّيَّةُ فِي وَقْتِ الْأُولَى بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا أَوْ أَكْثَرُ، فَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهَا بِحَيْثُ لَا يَسَعُهَا عَصَى وَصَارَتْ قَضَاءً وَهُوَ مُبَيَّنٌ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ إنَّ الْمُرَادَ بِالْأَدَاءِ فِي الرَّوْضَةِ الْأَدَاءُ الْحَقِيقِيُّ بِأَنْ يُؤْتَى بِجَمِيعِ الصَّلَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ بِرَكْعَةٍ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ وَالْبَاقِي بَعْدَهُ، فَتَسْمِيَتُهُ أَدَاءً بِتَبَعِيَّةِ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ لِمَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ صَارَتْ قَضَاءً خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا قَالَهُ شَيْخِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ نِيَّةٍ فَلَا يُؤَثِّرُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ أَخَّرَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ أَوْ بِنِيَّتِهِ فِي زَمَنٍ لَا يَسَعُهَا ‏(‏فَيَعْصِي وَتَكُونُ قَضَاءً‏)‏ لِخُلُوِّ الْوَقْتِ عَنْ الْفِعْلِ أَوْ الْعَزْمِ‏.‏ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ‏:‏ لَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَمْ يَعْصِ، وَكَانَ جَامِعًا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِهِ لَمْ يَعْصِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ جَامِعًا لِفَقْدِ النِّيَّةِ‏.‏ ‏.‏

المتن

وَلَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا فَصَارَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مُقِيمًا بَطَلَ الْجَمْعُ‏.‏ وَفِي الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا لَا يَبْطُلُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ تَأْخِيرًا فَأَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا لَمْ يُؤَثِّرْ، وَقَبْلَهُ يَجْعَلُ الْأُولَى قَضَاءً‏.‏

الشرحُ

الشَّرْطُ الرَّابِعُ مِنْ شُرُوطِ التَّقْدِيمِ دَوَامُ سَفَرِهِ إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏وَلَوْ جَمَعَ تَقْدِيمًا‏)‏ بِأَنْ صَلَّى الْأُولَى فِي وَقْتِهَا نَاوِيًا الْجَمْعَ ‏(‏فَصَارَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ‏)‏ أَوْ فِي الْأُولَى كَمَا فُهِمَ بِالْأُولَى، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏مُقِيمًا‏)‏ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ بِانْتِهَاءِ السَّفِينَةِ إلَى الْمَقْصِدِ ‏(‏بَطَلَ الْجَمْعُ‏)‏ لِزَوَالِ سَبَبِهِ، فَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا‏.‏ أَمَّا الْأُولَى فَلَا تَتَأَثَّرُ بِذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ جَمْعٍ فِيهِ تَسَاهُلٌ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَلَوْ كَانَ يَجْمَعُ، وَلَوْ شَكَّ فِي صَيْرُورَتِهِ مُقِيمًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَيَقُّنِ الْإِقَامَةِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ فَزَالَ السَّبَبُ لَدَخَلَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ ‏(‏وَفِي الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهَا‏)‏ لَوْ صَارَ مُقِيمًا ‏(‏لَا يَبْطُلُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِانْعِقَادِهَا أَوْ تَمَامِهَا قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَبْطُلُ قِيَاسًا فِي الْأُولَى عَلَى الْقَصْرِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْقَصْرَ يُنَافِي الْإِقَامَةَ بِخِلَافِ الْجَمْعِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ إذَا خَرَجَ الْآخِذُ قَبْلَ الْحَوْلِ عَنْ الشَّرْطِ الْمُعْتَبَرِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الرُّخْصَةَ هُنَا قَدْ تَمَّتْ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَصَرَ ثُمَّ طَرَأَتْ الْإِقَامَةُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنْ أَخَذَهَا قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهَا‏.‏ الْأَمْرُ الثَّانِي مِنْ أَمْرَيْ التَّأْخِيرِ‏:‏ دَوَامُ سَفَرِهِ إلَى تَمَامِهِمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ جَمَعَ ‏(‏تَأْخِيرًا فَأَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا لَمْ يُؤَثِّرْ‏)‏ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ لِتَمَامِ الرُّخْصَةِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ ‏(‏وَقَبْلَهُ‏)‏ أَيْ فَرَاغِهِمَا ‏(‏يَجْعَلُ الْأُولَى قَضَاءً‏)‏ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلثَّانِيَةِ فِي الْأَدَاءِ لِلْعُذْرِ وَقَدْ زَالَ قَبْلَ تَمَامِهَا‏.‏ وَفِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ إذَا أَقَامَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَمَا بَحَثَهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَتَعْلِيلُهُمْ مُنْطَبِقٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأُولَى فَلَوْ عَكَسَ وَأَقَامَ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ فَقَدْ وُجِدَ الْعُذْرُ فِي جَمِيعِ الْمَتْبُوعَةِ وَأَوَّلُ التَّابِعَةِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَنَّهَا أَدَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ كَمَا أَفْهَمَهُ تَعْلِيلُهُمْ، وَأَجْرَى الطَّاوُسِيُّ الْكَلَامَ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَقَالَ‏:‏ وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ بِدَوَامِ السَّفَرِ إلَى عَقْدِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ فِي جَمِيعِ التَّأْخِيرِ، بَلْ شَرَطَ دَوَامَهُ إلَى تَمَامِهِمَا؛ لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَيْسَ وَقْتَ الْعَصْرِ إلَّا فِي السَّفَرِ، وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ عَقْدِ الثَّانِيَةِ فَيَحْصُلُ الْجَمْعُ‏.‏ وَأَمَّا وَقْتُ الْعَصْرِ فَيَجُوزُ فِيهِ الظُّهْرُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَنْصَرِفُ فِيهِ الظُّهْرُ إلَى السَّفَرِ إلَّا إذَا وُجِدَ السَّفَرُ فِيهِمَا، وَإِلَّا جَازَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَيْهِ لِوُقُوعِ بَعْضِهَا فِيهِ وَأَنْ يَنْصَرِفَ إلَى غَيْرِهِ لِوُقُوعِ بَعْضِهِمَا فِي غَيْرِهِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ ا هـ وَكَلَامُ الطَّاوُسِيِّ هُوَ الْمُعْتَمَدُ‏.‏ ‏.‏

المتن

وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بِالْمَطَرِ تَقْدِيمًا‏.‏ وَالْجَدِيدُ مَنْعُهُ تَأْخِيرًا‏.‏

الشرحُ

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَيَجُوزُ الْجَمْعُ‏)‏ وَلَوْ لِمُقِيمٍ كَمَا يَجْمَعُ بِالسَّفَرِ وَلَوْ جَمَعَهُ مَعَ الْعَصْرِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ ‏(‏بِالْمَطَرِ‏)‏ وَلَوْ كَانَ ضَعِيفًا بِحَيْثُ يَبُلُّ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ كَثَلْجٍ وَبَرَدٍ ذَائِبِينَ وَشَفَّانٍ كَمَا سَيَأْتِي، ‏(‏تَقْدِيمًا‏)‏ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا‏)‏‏.‏ زَادَ مُسْلِمٌ ‏(‏مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ‏)‏‏.‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَمَالِكٍ‏:‏ أَرَى ذَلِكَ بِعُذْرِ الْمَطَرِ‏.‏ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَرْدُودٌ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ ‏(‏مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ‏)‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْأُولَى رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ فَهِيَ أَوْلَى‏.‏ قَالَ‏:‏ يَعْنِي الْبَيْهَقِيَّ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ‏:‏ الْجَمْعَ بِالْمَطَرِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ‏.‏ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَلَا مَطَرٍ كَثِيرٍ أَوْ لَا مَطَرٍ مُسْتَدَامٍ، فَلَعَلَّهُ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ ‏(‏وَالْجَدِيدُ مَنْعُهُ تَأْخِيرًا‏)‏ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَطَرِ لَيْسَتْ إلَى الْجَامِعِ فَقَدْ يَنْقَطِعُ، فَيُؤَدِّي إلَى إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ وَالْقَدِيمُ جَوَازُهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى السَّفَرِ‏.‏

المتن

وَشَرْطُ التَّقْدِيمِ وُجُودُهُ أَوَّلَهُمَا‏.‏ وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهُ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى‏.‏ وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ كَمَطَرٍ إنْ ذَابَا‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَشَرْطُ التَّقْدِيمِ‏)‏ بَعْدَ شُرُوطِهِ السَّابِقَةِ فِي جَمْعِهِ بِالسَّفَرِ ‏(‏وُجُودُهُ‏)‏ أَيْ الْمَطَرِ ‏(‏أَوَّلَهُمَا‏)‏ أَيْ الصَّلَاتَيْنِ لِتَحَقُّقِ الْجَمْعِ مَعَ الْعُذْرِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهُ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى‏)‏ لِيَتَّصِلَ بِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اعْتِبَارُ امْتِدَادِهِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يَضُرُّ انْقِطَاعُهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عِنْدَ سَلَامِ الْأُولَى كَمَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ‏(‏وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ كَمَطَرٍ إنْ ذَابَا‏)‏ لِبَلِّهِمَا الثَّوْبَ، وَالشَّفَّانُ وَهُوَ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِضَمِّهَا كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ وَلَا بِكَسْرِهَا كَمَا وَقَعَ لِلْقَمُولِيِّ وَبِتَشْدِيدِ الْفَاءِ بَرَدُ رِيحٍ فِيهِ بَلَلٌ كَالْمَطَرِ‏.‏

المتن

وَالْأَظْهَرُ تَخْصِيصُ الرُّخْصَةِ بِالْمُصَلِّي جَمَاعَةً بِمَسْجِدٍ بَعِيدٍ يَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ‏.‏

الشرحُ

‏(‏وَالْأَظْهَرُ‏)‏ وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ ‏(‏تَخْصِيصُ الرُّخْصَةِ بِالْمُصَلِّي جَمَاعَةً‏)‏ بِمُصَلًّى ‏(‏بِمَسْجِدٍ‏)‏ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏بَعِيدٍ‏)‏ عَنْ بَابِ دَارِهِ عُرْفًا بِحَيْثُ، ‏(‏يَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ‏)‏ إلَيْهِ نَظَرًا إلَى الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا، بِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي بِبَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ يَمْشِي إلَى الْمُصَلَّى فِي كُنَّ أَوْ كَانَ الْمُصَلَّى قَرِيبًا فَلَا يَجْمَعُ لِانْتِفَاءِ التَّأَذِّي‏.‏ وَأَمَّا جَمْعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَطَرِ مَعَ أَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ كَانَتْ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ، فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ بُيُوتَهُنَّ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً وَأَكْثَرُهَا كَانَ بَعِيدًا، فَلَعَلَّهُ حِينَ جَمَعَ لَمْ يَكُنْ بِالْقَرِيبِ، وَبِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ بِالْمَأْمُومِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِالْمَطَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ، وَبِخِلَافِ مَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا بِمُصَلَّى لِانْتِفَاءِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ‏.‏ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَلِمَنْ اتَّفَقَ لَهُ وُجُودُ الْمَطَرِ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ‏:‏ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ أَنْ يَجْمَعَ وَإِلَّا لَاحْتَاجَ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ أَيْ أَوْ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ فِي رُجُوعِهِ إلَى بَيْتِهِ ثُمَّ عَوْدِهِ أَوْ فِي إقَامَتِهِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِيهِ‏.‏ وَالثَّانِي يَتَرَخَّصُ مُطْلَقًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَجْمَعُ الْعَصْرَ مَعَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا حَالَ الْخُطْبَةِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا جَمْعَ بِغَيْرِ السَّفَرِ وَالْمَطَرِ كَمَرَضٍ وَرِيحٍ وَظُلْمَةٍ وَخَوْفٍ وَوَحَلٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَلِخَبَرِ الْمَوَاقِيتِ فَلَا يُخَالَفُ إلَّا بِصَرِيحٍ‏.‏ وَحَكَى فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا جَوَازُهُ بِالْمَذْكُورَاتِ وَقَالَ‏:‏ وَهُوَ قَوِيٌّ جِدًّا فِي الْمَرَضِ وَالْوَحَلِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ، لَكِنْ فَرَضَهُ فِي الْمَرَضِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي‏.‏ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ وَقَدْ ظَفِرْتُ بِنَقْلِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ ا هـ‏.‏ وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ‏.‏ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ ‏[‏الْحَجَّ‏]‏‏.‏ وَعَلَى ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَاعِيَ الْأَرْفَقَ بِنَفْسِهِ، فَمَنْ يُحَمُّ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ يُقَدِّمُهَا بِشَرَائِطِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ، أَوْ فِي وَقْتِ الْأُولَى يُؤَخِّرُهَا بِالْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ وَإِنَّمَا لَمْ يُلْحِقُوا الْوَحَلَ بِالْمَطَرِ كَمَا فِي عُذْرِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِأَنَّ تَارِكَهُمَا يَأْتِي بِبَدَلِهِمَا، وَالْجَامِعُ يَتْرُكُ الْوَقْتَ بِلَا بَدَلٍ، وَلِأَنَّ الْعُذْرَ فِيهِمَا لَيْسَ مَخْصُوصًا، بَلْ كُلُّ مَا يَلْحَقُ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ وَالْوَحَلُ مِنْهُ، وَعُذْرُ الْجَمْعِ مَضْبُوطٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَلَمْ تَجِئْ بِالْوَحَلِ‏.‏ ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

إذَا جَمَعَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ قَدَّمَ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلَهُ تَأْخِيرُهَا سَوَاءٌ أَجَمَعَ تَقْدِيمًا أَمْ تَأْخِيرًا، وَتَوْسِيطُهَا إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا سَوَاءٌ قَدَّمَ الظُّهْرَ أَمْ الْعَصْرَ، وَإِذَا جَمَعَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ أَخَّرَ سُنَّتَهُمَا، وَلَهُ تَوْسِيطَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا وَقَدَّمَ الْمَغْرِبَ وَتَوْسِيطَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ إنْ جَمَعَ تَأْخِيرًا، وَقَدَّمَ الْعِشَاءَ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَعَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ سُنَّةً مُقَدَّمَةً، فَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي جَمْعَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ‏.‏ ‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

قَدْ جَمَعَ فِي الرَّوْضَةِ مَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وَمَا لَا يَخْتَصُّ، فَقَالَ‏:‏ الرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ أَرْبَعٌ‏:‏ الْقَصْرُ، وَالْفِطْرُ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْجَمْعُ عَلَى الْأَظْهَرِ‏.‏ وَاَلَّذِي يَجُوزُ فِي الْقَصِيرِ أَيْضًا أَرْبَعٌ‏:‏ تَرْكُ الْجُمُعَةِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالسَّفَرِ، وَالتَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالتَّيَمُّمُ وَإِسْقَاطُ الْفَرْضِ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا، وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالسَّفَرِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ، وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ صُوَرٌ‏:‏ مِنْهَا مَا لَوْ سَافَرَ الْمُودَعُ، وَلَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ وَلَا وَكِيلَهُ وَلَا الْحَاكِمَ وَلَا الْأَمِينَ فَلَهُ أَخْذُهَا مَعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَصْحَبَ مَعَهُ ضَرَّةَ زَوْجَتِهِ بِقُرْعَةٍ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَوَقَعَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَصْحِيحُ عَكْسِهِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَهُوَ سَهْوٌ‏.‏ ‏.‏ بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا، وَحُكِيَ كَسْرُهَا، وَجَمْعُهَا جُمُعَاتٌ وَجُمَعٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ لِمَا جُمِعَ فِي يَوْمِهَا مِنْ الْخَيْرِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ لِأَنَّهُ جُمِعَ فِيهِ خَلْقُ آدَمَ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ لِاجْتِمَاعِهِ فِيهِ مَعَ حَوَّاءَ فِي الْأَرْضِ، وَكَانَ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ الْعُرُوبَةِ أَيْ الْمُبِينِ الْمُعَظَّمِ‏.‏ وَقِيلَ يَوْمُ الرَّحْمَةِ قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏ ‏[‏الْبَسِيطَ‏]‏ نَفْسِي الْفِدَاءُ لِأَقْوَامٍ هُمْ خَلَطُوا يَوْمَ الْعُرُوبَةِ أَوْرَادًا بِأَوْرَادِ وَهِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ، وَيَوْمُهَا أَفْضَلُ الْأَيَّامِ، وَخَيْرُ يَوْمِ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ، يُعْتِقُ اللَّهُ فِيهِ سِتَّمِائَةَ أَلْفِ عَتِيقٍ مِنْ النَّارِ، مَنْ مَاتَ فِيهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ، وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَفِي فَضَائِلِ الْأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ مَرْفُوعًا ‏(‏يَوْمُ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمُهَا، وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ الْأَضْحَى‏)‏ وَهِيَ بِشُرُوطِهَا فَرْضُ عَيْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا‏}‏ ‏[‏الْجُمُعَةَ‏]‏ أَيْ امْضُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ‏.‏ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ‏)‏ ‏.‏ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ‏)‏ ‏.‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ‏.‏ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ‏)‏‏.‏ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَفُرِضَتْ الْجُمُعَةُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يُصَلِّهَا حِينَئِذٍ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُهَا عِنْدَهُ، أَوْ لِأَنَّ مِنْ شِعَارِهَا الْإِظْهَارَ‏.‏ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا مُسْتَخْفِيًا، وَالْجَدِيدُ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ ظُهْرًا مَقْصُورًا وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا وَقْتَهُ وَتُدْرَكُ بِهِ، بَلْ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهَا، وَلِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ‏(‏الْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى‏)‏‏.‏ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ‏.‏ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ‏:‏ إنَّهُ حَسَنٌ، وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ‏:‏ وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْخَمْسِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَالْآدَابِ، وَتَخْتَصُّ بِشُرُوطٍ لِصِحَّتِهَا، وَشُرُوطٍ لِلُزُومِهَا وَبِآدَابٍ، وَسَتَأْتِي كُلُّهَا‏.‏